Our Generation

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
Our Generation

الإبداع و التطور في الفكر هدفنا


    نتائجُ اِنتِشارِ المحطَّاتِ الغِنَائِيَّةِ

    مجد العرب
    مجد العرب


    المساهمات : 123
    تاريخ التسجيل : 15/12/2010
    العمر : 32
    الموقع : صحار

    نتائجُ اِنتِشارِ المحطَّاتِ الغِنَائِيَّةِ Empty نتائجُ اِنتِشارِ المحطَّاتِ الغِنَائِيَّةِ

    مُساهمة  مجد العرب الأحد ديسمبر 19, 2010 11:26 pm

    تتعدد نتائج انتشار المحطات الغنائية وتتنوّع, ولا تنشأ هذه النتائج عن استماعٍ معتدلٍ لغناءٍِ سليم, بل عن إدمانٍ للاستماع, ومشاهدة الأغاني الهابطة باستمرار, والتعلّق الكبير بالمغنين والمغنيات. وتنبع خطورتها من أنّ الفئة المستهدَفة والمستهلِكة لهذه المنتجات الرديئة هم طاقات الأمّة الفوّارة: الشباب, ممن تغلب عليهم البراءة والسذاجة, ولم يخوضوا معترك الحياة ويخرجوا بالخبرة, ليميّزوا بين الغثّ والسّمين, فيصدّقون ويتأثرون بسرعة.

    وفيما يلي نعرض عدداً من نتائج انتشار هذه المحطات الغنائية, وتفاعل الشباب الكبير معها:

    أ‌- استهلاك العقل العربي فيما لا يعود بأي نفع على الأمة, وتحويل الانتباه عن القضايا الأساسية والجوهرية, وذلك بطرح قضايا "ظاهرها التسلية والترفيه, وجوهرها يثبّت الواقع الرديء, وهدفُها التسليم بهذا الواقع, وتطويع الكثير من القضايا لصالح هذا الواقع"

    وقد نجح هذا إلى حدٍّ كبير في شغل الشباب وملء أوقاتهم, وتحويل قضايا تافهة إلى قضايا جوهريّة في حياتهم, تملأ أوقاتهم, وتستهلك تفكيرهم, فلم يَعُد معظمُهم يحمل هموم أوطانهم, ويفكر بجدّيّة في كيفية التخلص من واقعه المتردّي, والعمل على اكتشاف ذواتهم, وتطوير أنفسهم, واستغلال طاقاتهم وتوجيهها الوجهة البنّاءة. بل بالعكس من ذلك, وكأنهم أخذوا الحقنة المخدّرة المهدّئة لأي طاقة, المغيّبة لأي تفكير, المُنسِية لأي همٍّ كان.

    فإذا راجعتهم في ذلك كان جوابهم: "سئمنا وتعبنا من هذه الهموم, ولا بد من القليل من الفرفشة", أو "ماذا سأفعل إن لم أتابع هذه الفضائيات", أو "وهل كانت هذه الفضائيات السّبب في احتلال فلسطين؟", أو"هل تريدون أن تحمّلوني هموم الأمّة ومسؤولية الإصلاح وحدي, لن يتوقّف الأمر عليّ", هكذا يفكّروا أو هكذا عُلِّموا أن يفكّروا.

    ب‌- تعطيل التفكير: التلفزيون بشكل عام ببرامجه الجاهزة يعوّد الإنسان عدم التفكير, فهو يفكّر عن المشاهد ويقدم له المعلومات جاهزة بما تحمله من قيم وأخلاق ومعتقدات. فالمشاهد مستقبِل سلبي, لا يتفاعل ولا يناقش ولا ينقد, وإنما يجلس مسترخياً أمام التلفاز ليتلقّى ما يُخَطَّط له أن يتلقى ولِيَتَعلَّم التسليم. وهذه برمجةٌ تشوّه العقل وتنحرف به عن وظيفته التي خلق من أجلها: ألا وهي التفكير. وليس هذا فقط بل إن ما تفعله الفضائيات الغنائية من تأثير على غرائز الشباب واللعب بعواطفهم يؤثر حتماً على تفكيرهم, فيُشوِّشه ويُعطِّله.

    ت‌- غرس الرخاوة والميوعة لدى الشباب والشابات, وتغيير مفهوم الرجولة والأنوثة في أذهانهم, فالرجل هو الذي يلتف حوله أكبر عدد من الفتيات لوسامته! والمرأة تلك التي تظهر معالم أنوثتها الجسدية للعيان!, هذا ما تكرسه قصص "الفيديو كليب" وترسّخه.

    فهي تساعد على انحراف الشباب والشابات لأنها لا تمثل واقعنا أصلاً, وإنما هي غريبةٌ عنا وخارجة عن تقاليدنا, تنقل أخلاق البيئات الشاذة والمنحرفة إلى مجتمعنا, وتستهين بأخلاقنا وديننا, وتنشر الرذيلة, وتثير الفتنة, وتفجر الطاقات في غير مكانها عبر تسهيل وتبسيط أمور مثل الاختلاط وإقامة علاقات غير شرعية. وكل ما يُقدّم يتم في غيبة النقد, وفي غيبة الرقابة النقية النظيفة الهادفة.

    ث‌- "فرض نماذج أخلاقيه سيّئة وهابطة على الناس"على أنها قدوات ونجوم وكواكب, فيظهر المغني الفلاني المعروف بفساد أخلاقه ومخالفته للشرع وللآداب العامة والتقاليد المعروفة في موقع الصدارة في المجتمع وفي مواطن القمة والنعمة منه, تُكرّمه المحافل, وتُرفع صوره, وتُخلّد أقواله التافهة, بينما قد تجد مثقف صادق شريف يرجح عقله عقول آلاف من أمثال صاحبنا مجتمعةً يحمل قضايا وطنه وهموم أمته وينافح عنها من المجهولين أو المُتَجاهَلين.

    وطبعاً تُدعم المحطات الفضائية بكل الوسائل الإعلامية الأخرى, فالمجلات والجرائد والإذاعة تنحو نحوها في التركيز على المُغنّيين والمغنّيات, وتَتَبُّع أخبارهم, والتركيز على نشاطاتهم كبيرها وصغيرها, وتغطية المهرجانات والمؤتمرات المحلية والدولية العالمية المُقامة لتكريمهم والإعلاء من شأنهم.

    وهذا طبعاً كان له آثاره, فالفتيات يحلمن أن يصبحن كالمغنية الفلانية في شكلها وملابسها وقصة شعرها وسلوكها وكلامها و... إلخ. والشباب يلبسون مثل المغني الفلاني ويتصرّفون مثله. وقد فاق هذا التعلق حدّه ليقوم بعض الشباب بلصق صور هؤلاء المغنين والمغنيات على جدران غرفهم, والتسابق لرؤيتهم, وحضور حفلاتهم. والحصول على تواقيعهم, ليكونوا هم القدوات الملهمين لهم.

    ج‌- إشاعة المنكر مع عدم إنكاره: إن الانتشار الواسع لهذه الفضائيات وما تقدمه وتكرره وتركز عليه -وهذه هي لعبة الإعلام: "كرّر الكذبة حتى تصبح حقيقة"- قد جعل من المنكرات التي تُبَثّ شيئاً عادياً وواقعاً مسلماً به, بحيث يراها الناس ولا ينكرونها.

    ح‌- قتل الوقت وإضاعة العمر فيما لا طائل منه. والوقت هو أغلى ما يملكه أي إنسان, وأثمن الموارد على الإطلاق. قال الحسن البصري رحمه الله: "أدركت أقواماً كان أحدهم أشحّ على عمره منه على درهمه", وقال أحد الصالحين: "إنما أنت يا ابن آدم أيام مجموعة , فإذا ذهب يومك ذهب بعضك". فالساعات التي تمر هي أجزاء تُقتطع منّا دون رجعة.

    ولهذا قدَّس الإسلام الوقت, وقد أقسم رب العالمين في أكثر من سورة بأوقاتٍ كالفجر والضحى والليل, ليلفت انتباهنا إلى قدسية الزمان. قال الله تعالى: ﴿وَالضُّحَى % وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾ [الضحى:93/1-2], ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى % وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾ [الليل:92/1-2], ﴿وَالْفَجْرِ % وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر:89/1-2].

    وللأسف فإن أكثر ما يزهد فيه المرء هو وقته, فيمر ويُسرق منه وهو في غفلة. وقد كان أحرى أن تُصرف الأوقات التي يقضيها المرء أمام التلفاز يشاهد ما لا ينفع في البحث عمّا يستطيع أن يفعله ليُطوّر نفسه ومهاراته, وينمي تفكيره, وينهض مِن حاله وحال مَن حوله. ورضي الله عن سيدنا عمر إذ قال: "إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً (أي فارغاً) لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة".

    إن قضاء أربع ساعات يومياً أمام التلفاز على مدار عامٍ يعني شهرين متواصلين, ولك أن تتخيل ماذا يمكن أن تُنجز فيهما: قد تُنجز رسالة ماجستير, قد تؤسس أو تشارك في جمعية خيرية ترقى بمجتمعك, ...إلخ. وهذا هو الذي يصنع الفرق بين المُنجِزين المُنتجين والمستهلكين الغافلين.

    خ‌- إضاعة المال في التصويت على برامج صناعة المغنين والمغنيات, واستغلال مشاعر الانتماء الوطني في ذلك, بالإضافة إلى الاتصالات التي يُجريها المشاهدون مع بعض البرامج لطلب أغنياتٍ معينة أو إرسال رسائل (SMS) فارغة من أي معنىً إلى المحطات.

    "وكشف الدكتور محمد مراد عبد الله مدير مركز دعم اتخاذ القرار في شرطة دبي أمين السر العام لجمعية توعية ورعاية الأحداث في دولة الإمارات عن وجود أكثر من 30 محطة فضائية غنائية تبث ما يقارب من 15 مليون رسالة يومياً، وأن متوسط عدد المكالمات والرسائل النصية القصيرة (SMS) التي تتلقاها المحطة الواحدة يبلغ 33 ألف مكالمة ورسالة في الساعة الواحدة، وإن المحطة تحقق دخلاً يزيد عن 20 مليون درهم شهرياً. وإن90% من الرسائل خليجية، و70% منها سعودية"! (قناة العربية, برنامج إضاءات، مقدم البرنامج: تركي الدخيل، تاريخ الحلقة: الأربعاء 4/1/2006, ضيف الحلقة: الفريق ضاحي خلفان تميم القائد العام لشرطة دبي).

    كما أن الكثير من الأموال تُصرف على إخراج هذه الأغاني, فحسب ما يرد من إحصاءات على شبكة الانترنت فإنّ تكلفة إنتاج الفيديو كليبات الخاصة بأغاني التعري والفن الهابط في العالم العربي تقارب (16) مليار دولار سنوياً.

    ولو أن هذه الأموال التي يصرفها الشباب في التواصل مع هذه الفضائيات والتي تُصرف لإنتاج هذه الأغاني جُمِعت؛ لسدّت ثغرات كثيرة في مجتمعاتنا, ولأطعمت جياعاً, وكست عراةً من أبناء جلدتهم بدلاً من أن تذهب إلى من يحملُ السلاح عليهم.

    د‌- الانشغال عن الواجبات: إن المتابعة الحثيثة المتلهّفة لتلك القنوات وما يتصل بها يشغل عن أداء الواجبات الهامة والتي لا تكاد تتسع لها أوقات المرء, فتُهمل أو تؤجل أو تؤدّى كيفما اتفق, ليتفرغ هذا الشاب بسرعة لمشاهدة الأغاني -والتي تُبث الواحدة منها أكثر من عشر مرات في اليوم- وكأنه يسمعها ويُشاهدها لأول مرة, وما ذلك إلا لشدّة تعلّقه بهذا المغني أو تلك المغنية.

    ونلمس هذا جميعاً في انخفاض التحصيل الدراسي لدى هؤلاء الشباب, وعجزهم عن التركيز فيما يوكل إليهم من أعمال جادة, وحتى إهمالهم لفرائضهم الدينية!!.

    هذه كانت أهم نتائج انتشار المحطات الغنائية, وإقبال شريحة كبيرة من الشباب على متابعتها والتفاعل معها يشكلٍ ملحوظٍ, وبشكل يُنبئ أن هناك انحرافاً كبيراً في توجّهات الشباب واهتماماتهم, ومرضا يستفحل بسرعةٍ, ويحتاج للعلاج الفوري قبل أن يتفاقم, وخصوصاً أننا في مرحلة من التردّي تُوصَفُ بالقاع, والذي بدأنا بحمد الله نرتفع عنه شيئاً فشيئاً, فلا نُنكر أبداً وجود فئة من الشباب الواعي الذي يعرف كيف يستغلّ عمره ويوجّه طاقاته.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 1:52 pm